لقد تنبأ الكاتب الكبير الطيب صالح، كما روت الروائية السعودية المهمة سمر المقرن، بأن الرواية في السعودية سوف تكتبها المرأة، وهو ما حصل خلال السنوات الأخيرة، حيث تجرأت المرأة الكاتبة على كثير من القيم الاجتماعية البالية، وصرنا نسمع بروائيات ينبشن مجتمعهن، في محاولة جادة للوصول إلى المسكوت عنه، ولعل سمر المقرن واحدة من هؤلاء الكاتبات، اللواتي يدركن اهمية دورهن في كتابة الرواية السعودية، كما تنبأ صالح.
والسؤال هو: هل نبوءة الطيب صالح الغريبة تلك، جاءت من فراغ أم من إدراك لصيرورة التاريخ سواء أكان تاريخ أدب وفن أو تاريخ ثورات وانقلابات اجتماعية؟.
ومن يمعن الفكر قليلا يكتشف أن الطيب صالح، لم يتنبأ، بل استقرأ حتمية مبنية على قاعدة علمية مفادها أن الافراد والشرائح الاجتماعية الأكثر تضررا من واقع ما، هم الأسبق إلى رفضه والثورة عليه.
فالمجتمعات التي تضع قيودا كثيرة على النساء، هي المجتمعات التي تنهض وتتغير بفعل تعليم الفتيات، لأنها ببساطة تسلح الضحايا وتدفعهن للرفض والتغيير.
ومن يقرأ لهؤلاء الروائيات السعوديات الجديدات، يدرك حجم التغيُّر الكبير داخل الفكر الأدبي السعودي، والنسوي منه تحديدا، ولعل تلاقي الثقافات عبر وسائل الاتصال الحديثة، وعلى رأسها الانترنت، قد مكن الثقافات العابرة من أن تفعل فعلها في مجتمعاتنا، وولَّدت بذلك أدبا وفنا لا يقلد الآخر ،بل ينتهج نهجه في فهم الواقع والخروج الإيجابي عليه.
فإذا كان الإنسان واحداً في كل العالم، فبالتأكيد الشروط المثلى لحياته هي نفسها أينما كان، سواء كان في الدانمرك أو في السعودية، أو في الهند او في كندا، لا فرق. وما ينتظره الإنسان من النمط الثقافي السائد هو أن يساعده على درجة متقدمة من التكيف مع البيئة، لا أن يتحول الى نمط معوِّق للحياة.
ولذلك تتأثر الثقافات ببعضها من خلال اكتساب مناهج جديدة لمقاربة المشكلات، والثقافة المقبلة من مجتمع اكثر حضارة، تقدم للثقافات المحلية مناهج اكثر تطورا ووجهات نظر جديدة، مشجعة اياها، اي الثقافات المحلية، على تجاوز العقدة العقيمة للهوية الضيقة، هكذا يتسلَّح البشر، وتُشحذ العقول، فمن الذي يستطيع أن يعيش بلا هواء عابر للقارات؟!.